اثارة دافعية المتعلمين باستعمال تقنيات التعلم المعكوس

مقال علمي للباحث د. علاء عبدالخالق حسين
جامعة بغداد /كلية العلوم الإسلامية
Alaa.Abdulkhaleq@colaw.uobaghdad.edu.iq
يحقق استعمال التكنولوجيا في التعليم تحولًا إيجابيًا، حيث توفر الأدوات التكنولوجية فرصًا لتعزيز التفاعل والتعاون، وتوفر وصولًا واسعًا للموارد التعليمية، وتعزز الابتكار والتعلم التفاعلي، كما تسهم التكنولوجيا في تحفيز المتعلمين وتعزيز تفاعلهم مع المحتوى الدراسي، مما يعزز التعلم الفعال ويطور مهاراتهم التقنية والتحليلية والابتكارية.
وتعد تقنيات التعلم المعكوس عن مجموعة أساليب تعليمية تركز على تحويل دور المعلم من مجرد معلم يقدم المعلومات إلى دور مرشد ومساعدة المتعلمين في اكتشاف المعرفة وبناء فهمهم الخاص، وتتضمن هذه التقنيات استعمال التكنولوجيا لتمكين المتعلمين من الاستكشاف والتفاعل والمشاركة في عملية التعلم، كما تتضمن العديد من الأدوات والممارسات الأخرى، مثل التعلم القائم على المشروعات، والتعلم التعاوني، والتعلم الذاتي، والتعلم النشط، ويتم فيها استعمال الوسائط المتعددة والتكنولوجيا الحديثة مثل الحوسبة السحابية والواقع الافتراضي والتعلم عن بُعد (العتيبي، 2019، ص102).
وتعد تقنيات التعلم المعكوس أداة قوية لتعزيز التعلم الذاتي، وتمكين المتعلمين من تحقيق أهدافهم الأكاديمية والمهنية، من خلال مساهمتها في تحويل المتعلمين من مستهلكين للمعرفة فقط إلى مبدعين ومتعلمين مستمرين، وبالتالي، فإن تنمية وتطبيق تقنيات التعلم المعكوس تعد أحد المفاتيح لتحقيق تجربة تعليمية فعالة ومثمرة، فاستعمال تقنيات التعلم المعكوس، يتم تحفيز المتعلمين على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والتعاون والابتكار، كما يتم تشجيع المتعلمين على المشاركة النشطة في عملية التعلم، وتعزيز قدراتهم على بناء المعرفة وتطبيقها في سياقات حقيقية
(الموسوي، 2018، ص16).
والدافعية للتعلم هي الحالة النفسية والعاطفية التي تحفّز وتدفع الفرد للاستفادة والمشاركة في عملية التعلم، بحيث تعبر في مكنونها عن القوة الداخلية التي تحرك المتعلمين نحو اكتساب المعرفة وتحقيق النجاح الأكاديمي، إذ تعتبر محركًا أساسيًا للتحصيل العلمي وتطوير المهارات اللازمة لتحقيق التعلم الفعال، حيث تتأثر الدافعية بعوامل متعددة، بما في ذلك الاهتمام الشخصي بالموضوع، والأهداف الشخصية والأكاديمية، والتحفيز الخارجي مثل المكافآت والتقدير، والتجربة السابقة والنجاحات السابقة، كما تلعب المعتقدات الذاتية وثقة المتعلم في قدراته ومهاراته دورًا هامًا في تحفيزه للتعلم
( Salam, 2022, P65).
وتعتبر الدافعية للتعلم عنصرًا أساسيًا لتحقيق التعلم الفعال والمستدام، فإذا كانت المتعلمين متحمسين ومهتمين بموضوع التعلم، فإنهم يكونون أكثر استعدادًا للتحصيل والتنمية الشخصية، لذا، يجب أن يكون تعزيز الدافعية وتحفيز المتعلمين جزءًا أساسيًا من عملية التعليم والتدريس، بواسطة إشراك المتعلمين في عملية التعلم من خلال إثارة فضولهم وتوفير تحديات مناسبة يزيد من مستوى الدافعية، فضلاً عن ذلك، يمكن تعزيز الدافعية من خلال تقديم أهداف واضحة وملهمة، وتوفير تغذية راجعة فورية ومناسبة، وتشجيع التعلم النشط والتعاوني، وإنشاء بيئة تعليمية داعمة ومحفزة (الصقير، 2022، ص180).
وسائل وتقنيات التعلم المعكوس:
تقوم تقنيات التعلم المعكوس على عكس العملية التقليدية للتدريس والتعلم، حيث تركز هذه التقنيات على إعطاء المتلمين دورًا نشطًا في اكتشاف المعرفة وبناء فهمهم من خلال توجيههم للتفكير النقدي والتفاعل مع المحتوى التعليمي، وتعد هذه التقنيات وسيلة فعالة لتعزيز الدافعية وتعليم المتلمين مهارات التفكير العليا والتعلم النشط، ومن تلك الوسائل والتقنيات ما يلي (جادو، 2018، ص126):
1. استعمال المناهج المعكوسة: وتعتمد هذه التقنية على تقديم مواد تعليمية أساسية مسبقًا للمتعلمين، ومن ثم تشجيعهم على استكشاف المفاهيم وحل المشكلات قبل أن يتم تقديم الشرح والتفسير الكامل من قبل المدرس، بحيث يتيح ذلك للمتعلمين فرصة لبناء مفاهيمهم الخاصة وتوظيف التفكير النقدي لديهم.
2. التعلم النشط والتعاوني: تتضمن هذه التقنيات استعمال استراتيجيات تعليمية مثل المشاريع الجماعية والتعلم القائم على المشكلة، والتعلم القائم على الاستكشاف، حيث يتعاون المتعلمين معًا لحل المشكلات وتبادل الأفكار، مما يعزز التفاعل والتعلم النشط وتطوير مهارات التواصل والعمل الجماعي.
3. استعمال التكنولوجيا التعليمية: حيث توفر التكنولوجيا المتقدمة مثل الحواسيب والأجهزة اللوحية والبرامج التعليمية منصة قوية لتنفيذ تقنيات التعلم المعكوس، بحيث يمكن استعمال المحتوى التفاعلي والوسائط المتعددة والتطبيقات التعليمية لتعزيز التفاعل والاستكشاف وتوفير تجارب تعليمية محسنة.
4. التقويم المستمر والتغذية الراجعة: يتطلب التعلم المعكوس توفير تقويم مستمر لأداء المتعلمين وتزويدهم بتغذية راجعة فورية، بحيث يسمح ذلك للمتعلمين بتحديد نقاط القوة والضعف في تعلمهم وتوجيههم للتحسين وتحقيق النجاح الأكاديمي.
ويرى الباحث أن وسائل وتقنيات التعلم المعكوس تشكل نهجًا مبتكرًا وفعّالًا لتحسين جودة التعليم وزيادة الدافعية للتعلم لدى المتعلمين، بحيث تتيح لهم الاستكشاف والتفاعل وبناء المفاهيم الخاصة بهم، مما يعزز التعلم النشط وتطوير المهارات اللازمة للنجاح الأكاديمي والمهني، وذلك بالاعتماد على التكنولوجيا، وتعزيز التعاون، وتوفير التغذية الراجعة، بحيث من الممكن أن تصبح بذلك تقنيات التعلم المعكوس حلاً مبتكرًا يساعد في تحقيق تجربة تعليمية شاملة ومثمرة للمتعلمين في عصرنا الحديث.
أهمية استعمال تقنيات التعلم المعكوس:
باستعمال تقنيات التعلم المعكوس يتحوّل دور المتعلم من المستقبل للمحفز والمشارك النشط في عملية التعلم، حيث تعتبر هذه التقنيات طريقة فعّالة لتعزيز الدافعية للتعلم وتحفيز المتعلمين على استكشاف وفهم المواد الدراسية بشكل أعمق وأكثر تفاعلًا، وتبرز أهميتها فيما يلي (البلوي، 2023، ص270):
1. تعزيز الاستقلالية والمسؤولية: حيث تساعد تقنيات التعلم المعكوس المتعلمين على تطوير مهارات الاستقلالية واتخاذ المبادرة في عملية التعلم، من خلال تشجيعهم على اكتشاف واستكشاف المواد الدراسية بأنفسهم، بحيث يصبحون مسؤولين عن تحقيق أهدافهم التعليمية.
2. تعزيز التفاعل والتعاون: يتيح التعلم المعكوس للمتعلمين فرصًا للتفاعل والتعاون مع زملائهم، ويمكنهم من تبادل الأفكار والآراء والمعرفة، والعمل معًا في مشاريع مشتركة، مما يعزز تعلمهم وتعزيز الروابط الاجتماعية والتعاونية.
3. تحفيز الإبداع والتفكير النقدي: تدعم تقنيات التعلم المعكوس تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداع لدى المتعلمين، إذ يتم تحفيزهم على طرح الأسئلة، واستكشاف الحلول البديلة، وتحليل المعلومات بشكل نقدي، مما ينمّي قدراتهم العقلية ويعزز قدرتهم على حل المشكلات.
4. تعزيز التعلم المستمر: تعتمد تقنيات التعلم المعكوس على دورهم كمتعلمين مستمرين، حيث يتم تحفيزهم على متابعة تعلمهم وتطوير مهاراتهم بعد انتهاء الدروس الرسمية، ويتم توفير الموارد والأدوات اللازمة لهم لمتابعة استكشاف المواد بمرونة وفي أي وقت يرونه مناسبًا.
ويرى الباحث أن تقنيات التعلم المعكوس تتيح فرصًا مثيرة ومبتكرة لتعزيز الدافعية وتعزيز جودة التعلم، بتحويل دور المتلمين من المستقبلين إلى النشطاء في عملية التعلم، ومن خلالها يتم تعزيز قدراتهم العقلية والاجتماعية والتحفيزية، وبذلك يجب أن نولي اهتمامًا كبيرًا لتنفيذ هذه التقنيات في البيئة التعليمية لتعزيز الدافعية للتعلم وتحقيق نتائج إيجابية في تحصيل المتعلمين وتطويرهم كأفراد متعلمين مستمرين.
دور تقنيات التعلم المعكوس في زيادة الدافعية للتعلم:
تعد تقنيات التعلم المعكوس أداة فعالة في مجال التعليم تساهم في زيادة الدافعية للتعلم، فهي تقوم بتحويل النمط التقليدي لعملية التعلم حيث يكون المدرس هو الناقل الوحيد للمعرفة، إلى نمط تعلم يتيح للمتعلمين المشاركة والتفاعل بشكل نشط، من خلال تطبيق المفاهيم النظرية ووضعها في سياقات عملية وملموسة، وتعمل هذه التقنيات على تحفيز المتعلمين وتعزيز شغفهم للتعلم، وتحقيق أهدافهم الأكاديمية، فضلاً عن ذلك، تعزز تقنيات التعلم المعكوس التفاعل والتعاون بين المتعلمين ، فعلى سبيل المثال، يمكن استعمال منصات التعلم الجماعي عبر الإنترنت لتشجيع المتعلمين على التفاعل والتبادل الأفكار والمساهمة في بناء المعرفة المشتركة، بحيث يعمل هذا النوع من التعلم على تعزيز الدافعية للتعلم عن طريق خلق بيئة تعليمية ملهمة ومشاركة، ويمكن تلخيص هذه الأدوار كما يلي:
(المصري، 2022، ص86)
1. التعلم القائم على المشروعات، حيث يتم تشجيع المتعلمين على تطبيق المفاهيم النظرية وتوظيفها في مشاريع عملية.
2. الوسائط المتعددة، إذ أنه باستعمال الصوت والصورة والتفاعل يتم تقديم المحتوى التعليمي بشكل مثير للاهتمام.
3. التفاعل والتعاون، فباستعمال منصات التعلم الجماعي يتم العمل على تعزيز التفاعل وتبادل الأفكار بين المتعلمين.
ويرى الباحث أنه باستعمال تقنيات التعلم المعكوس، يتم تعزيز الدافعية للتعلم وتحقيق تفاعل وتفاعل أعمق لدى المتعلمين، بحيث يمكن أن تسهم هذه التقنيات في تحفيز المتعلمين وتعزيز شغفهم للتعلم وتحقيق أهدافهم الأكاديمية، فهي أداة قوية تقدم أساليب تعليمية مبتكرة تساهم في تحسين جودة التعليم وتنمية مهارات المتعلمين، ومن خلال الاستفادة من تلك التقنيات، يمكن تطوير بيئة تعليمية ديناميكية تحفز وتلهم المتعلمين لتحقيق نجاحهم الأكاديمي.

تحديات استعمال تقنيات التعلم المعكوس:
وعلى الرغم من فوائد تقنيات التعلم المعكوس الجمّة، إلا أنها تواجه تحديات متنوعة تعيق تطبيقها الفعال، وفيما يلي بعض تلك التحديات (Xiu, 2018, P122):
1. البنية التحتية التكنولوجية: حيث إن توفير البنية التحتية التكنولوجية المناسبة يمثل تحديًا كبيرًا للمؤسسات التعليمية، حيث يتطلب ذلك استثمارات مالية وتدريبات فنية لتأمين الأجهزة والبرمجيات والشبكات الضرورية.
2. التدريب والتأهيل: إذ يحتاج المدرسون إلى التدريب والتأهيل المناسب لاستعمال تقنيات التعلم المعكوس بفعالية، وقد يكون ضروريًا تعلم الأساليب الجديدة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتصميم وتنفيذ الأنشطة التعليمية الملائمة.
3. الاعتماد على التكنولوجيا: فقد يشعر بعض المتعلمين والمدرسين بالتحدي في التكيف مع استعمال التكنولوجيا في عملية التعلم، وقد يحتاج بعض المتعلمين إلى التدريب والتوجيه الإضافي لتجاوز الصعوبات التقنية والوصول إلى الموارد بسهولة.
4. التفاعل والتواصل: وقد يعاني بعض المتعلمين من ضيق التواصل الشخصي والتفاعل في بيئة التعلم المعكوس، وتتطلب هذه الطريقة من المدرسين توجيه ودعم المتعلمين بشكل فردي وتشجيع التفاعل والمشاركة الفعالة في المناقشات والأنشطة التعاونية.
ويرى الباحث أنه بالرغم من التحديات التي تواجه استعمال تقنيات التعلم المعكوس، إلا أن فوائدها وآثارها الإيجابية تستحق الجهود المبذولة لتذليل هذه التحديات، حيث يجب توفير الدعم اللازم للمدرسين والمتعلمين وتحسين البنية التحتية التكنولوجية لتعزيز تجربة التعلم المعكوس، فمن خلال تغيير الدور التقليدي للمدرس، وتمكين المتعلمين ليكونوا مبدعين ونشطاء في عملية التعلم، يمكن تحقيق تعليم أكثر تفاعلية وشمولية.

المصادر والمراجع:
أولا: المصادر والمراجع العربية:
1. بلول، أحمد، داودى. (2022). استراتيجية الصف المعكوس (المقلوب) بديل الصف التقليدي. مجلة الباحث للعلوم الرياضية والاجتماعية، مج5, ع1، 245 – 256.
2. البلوي، شبيب حواس. (2023). اتجاهات معلمي الحاسب الآلي في المرحلة المتوسطة نحو استخدام التعليم المعكوس ومعوقات تطبيقه في مدينة حائل. مجلة كلية التربية، مج39, ع2، 264 – 283.
3. جادو، إيهاب مصطفى محمد. (2018). أثر التعلم المعكوس المصحوب بمناقشات إلكترونية تشاركية على تنمية التحصيل والدافعية للتعلم لدى المتعلمين تكنولوجيا التعليم. تكنولوجيا التعليم، مج28, ع4، 113 – 181.
4. الصقير، إبراهيم بن صقير بن سليمان. (2022). أثر استخدام التعليم المعكوس لتنمية مهارات قراءة الخرائط الجغرافية لدى تلاميذ المرحلة المتوسطة بالقصيم. مجلة الشمال للعلوم الإنسانية، مج7, ع2، 173 – 217.
5. صلعة، سمية. (2021). التعليم المعكوس: استراتيجية نحو تحقيق جودة التعليم العالي في الجزائر. مجلة دفاتر اقتصادية، مج12, ع2 ، 355 – 368.
6. العتيبي، محمد بن علي عياد. (2019). فاعلية استخدام بيئة التعلم المقلوب على تحصيل طلاب كلية التربية بعفيف واتجاهاتهم نحوه. المجلة التربوية الدولية المتخصصة، مج8, ع5 ، 92 – 112.
7. العكول، مي محمد. (2021). التعلم المعكوس والإبداع. رسالة المعلم، مج57, ع1,2 ، 87 – 90.
8. المصري، تامر على عبد اللطيف. (2022). فاعلية التعلم المعكوس بالأقران في تنمية مهارات الاستقصاء العلمي والدافعية نحو تعلم لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية. دراسات في التعليم الجامعي، ع55، 29 – 104.
9. الموسوى، أحمد عبد المحسن كاظم. (2018). فاعلية التعليم المعكوس في تحصيل مادة التذوق الفني لدى طلبة قسم التربية الفنية. مجلة ميسان للدراسات الأكاديمية، مج17, ع34، 1 – 20.
10. الهاجري، محمد عبد الله محمد شافي. (2021). فاعلية استراتيجية التعليم المعكوس في تعليم أساسيات مادة الرياضيات لطلاب المرحلة الابتدائية. مجلة القراءة والمعرفة، ع232، 515 – 547.

ثانياً: المصادر والمراجع الأجنبية:
1. Chiu, Wen-ling. (2016). Effects of Flipped and Traditional Learning on College Studentsâ English Learning Outcomes and Motivation. Master. NSYSU.
2. Guo, Lina (Paiyue). (2022). Enhancing teacher mediation to foster students’ metacognition in flipped learning. Doctoral. University of Waikato.
3. Salam, Nakia. (2022). Understanding Students’ Perceptions of Self-Regulatory Instructional and Learning Strategies in a Flipped Learning Environment.
4. Xiu, Ying. (2018). Students’ motivation, perspectives, and learning in flipped university classrooms. Degree: Educational Technology, Oklahoma State University.



اترك تعليقاً